أحمد ومحمد طفلان لم يتجاوزا الثالثة عشرة من العمر، يمضيان النهار عاريين ملوثين بفضلاتهما في غرفة تخلو من كل شيء، إلا من حبل يربط أحدهما إلى الحائط، وباب مغلق بإحكام يمنع الآخر من الخروج.
لا ذنب ارتكبه الطفلان التوأمان سوى أنهما يعانيان من إعاقة عقلية جعلت وجودهما في الحياة يتراوح ما بين العبء والعار!
من قريتهما الكبيرة التي تقع شمال رام الله لا يعرفان سوى غرفتهما القذرة التي أحكم والدهما إغلاق نوافذها وبابها جيدا.
وفي زيارة مفاجئة لبيت العائلة، وبعد فتح الباب المغلق بالمفتاح، كان للمشهد وقع الصدمة: طفلان عاريان أحدهما مربوط إلى الحائط، فيما يقفز الطفل الآخر نحونا ويداه ملوثتان بفضلات جسمه، ورائحة الغرفة النتنة لا تقل سوءا ورعبا عن المشهد ذاته لطفلين ضئيلي الجسد لا يتحدثان بل يصدران بعض الأصوات فقط.
سريعا يبدأ الأب بشرح معاناته مع طفليه المعاقين عقليا، لكن لا يجد ما يقوله تفسيرا للغرفة التي تراكمت بها فضلاتهما، فيفضل السكوت.
منذ بلغ الطفلان عامهما السادس، قامت العائلة بعزلهما في غرفة منفردة بسبب ما يقومان به من "تخريب وتوسيخ" في المنزل، حسب ما قال الأب.
ويتابع الأب: اضطررت لربط "أحمد" لأنه يقوم بتكسير كل ما تصل إليه يداه.
ويعزو سبب عري الطفلين قائلا: إنهما يرفضان الملابس ويقومان بتمزيقها منذ سنوات، لافتا الى محاولته إرغامهما على ارتداء الملابس مرارا "لكن دون جدوى".
يستسلم "محمد" لوالده وهو يقوم بغسل جسده من الفضلات، وعندما يحين دور "أحمد" يراوغ مرات عدة قبل أن يرضى مرغما على تقبل "الشامبو" والماء على رأسه.
بدا الأب ضجرا بوجودنا غير المتوقع، لكنه أكد أنه يحرص على نظافتهما يوميا.
لكن ماذا عن الأم، يجيب الأب: إنها تترك المنزل بالساعات، فقد تعبت من الاعتناء بالطفلين كل هذه السنوات، وبدت مؤخرا تظهر لا مبالاة تجاههما وتجاه البيت.
ويقول: جميع أفراد الأسرة يفضلون قضاء أطول وقت ممكن خارج البيت، فقد تعبت نفسيتنا من الاعتناء بهما.
ويضيف: بصعوبة نقوم بواجباتنا الاجتماعية تجاه الأقارب والأصدقاء، ويصيبنا الخجل عندما يزورنا أحد بسبب الصراخ والروائح التي يسببانها.
لدى الأب ستة أطفال، أصغرهم طفلة (4 أعوام)، وفاجأتنا بحملها أحد أخويها بجسده الضئيل بكل حنان، بينما يفضل الإخوة والأخوات الأكبر البقاء خارج المنزل بعد انتهاء دوامهم المدرسي.
أما الجيران، فيؤكدون أنهم اعتادوا على سماع صراخ الطفلين ليلا، ولا يستطيعون فعل شيء حيال ذلك.
كل ما ترغب به العائلة هو وضع الطفلين في مؤسسة أو مركز يعتني بهما، ويخلص العائلة من عبء لا تستطيع استمرار تحمله.
بحث الأب، حسب قوله، مطولا بين المراكز التي تهتم بالمعاقين عقليا، لكنه لم يجد أي مركز في الضفة الغربية يقبل برعاية الطفلين ليلا ونهارا.
ويخلص المرء بعد أن يزور العائلة ويستمع للأب والجيران إلى أن العائلة لا ترغب بأن تقوم بواجبها العائلي والإنساني تجاه الطفلين، حتى ضمن أبسط نطاق وهو نظافتهما الشخصية.
في مأساة كهذه، يبدو خلاص الطفلين رهناً برعايتهما من قبل مركز للشؤون الاجتماعية، إن وجد، وربما يوفر لهما حياة أقرب للآدمية. فهل تفعل وزارة الشؤون الاجتماعية ذلك قبل أن يأتي صحافي آخر بعد عشر سنوات ليكتب مجددا عن ضحايا العزلة؟!