مازال الحاج سليم اشتيوي 75 عاماً يشعر بحزن شديد وهو ينظر إلى أرضه التي دمرتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، متحرقاً عليها إذ كانت عامرة بأشجار الزيتون والحمضيات ومزروعات أخرى قبل أن تلتهمها أنياب الجرافات الاحتلالية وتحولها إلى خراب.
ويقول المواطن اشتيوي بينما كان يتأمل بقايا أشجاره المقطوعة والتي احتفظ بها في منزله": لقد فقدت أغلى ما أملك بعد الحرب على غزة, فبعد تجريف 4 دونمات من أرضي أحسست كأني فقدت جزءا من جسدي, فتعب السنوات الماضية ضاع دونما رجعة وبدون أي ثمن". ويوضح أن الاحتلال جرف أرضه المزروعة بأشجار الحمضيات والزيتون شرق حي الزيتون, ودفنها بجرافاته تحت الأرض, و"لم أملك بعدها سوى بيع بقايا هذه الأشجار".
شقاء العمر
وتابع قوله:" الأشجار التي جرفها الاحتلال زرعها جدي قبل 70 عاماً, حيث ورثت الاعتناء بها عن أبي", مضيفاً بشيء من الضيق:" بعد هذا العمر يأتي الاحتلال ليمحو شقاء سبعين عاما في لحظات دون أن يترك أثرا لشجرة واحدة"، مردفاً: "حسبنا الله ونعم الوكيل". وأوضح الحاج اشتيوي بعد صمت طويل أنه وبعد تجريف أرضه وقطع أشجارها لم يتبق أمامه سوى نقل كل الأشجار المقطوعة والتي كانت دبابات الاحتلال قد دفنتها تحت الأرض أثناء الحرب وبيعها لبعض النجارين الذين أصبحوا يعملون بمهنة التحطيب.
وذكر أنه باع خشب الأشجار المجرف بمبلغ من المال استفاد منه في إعادة إصلاح أرضه وزراعتها من جديد عل أحد أحفاده يرعاها كما رعاها هو عن جده.
مصائب وفوائد
وشكلت عمليات التجريف الإسرائيلية التي نالت آلاف الدونمات الزراعية الموجودة في محيط قطاع غزة فرصة عمل لعشرات العائلات والعاطلين عن العمل في القطاع بسبب الحصار الذي يعيشه القطاع. فالشاب حسن حمد والذي يقطن في مدينة جباليا اتخذ من جمع التحطيب مهنة له بعد أن أُغلقت أمامه كل السبل للعمل في مهنة أخرى, حيث يقول:" اضطررت للعمل في جمع الحطب بعد الحرب على غزة, فهي مهنة متعبة وشاقة بشكل كبير وتحتاج إلى أدوات للتنقيب والحفر في الأرض من أجل استخراج الأحطاب التي دفنتها جرافات الاحتلال تحت الأرض".
ويتابع:" غالباً ما أحصل على هذه الأخشاب من المناطق الحدودية التي أذهب إليها بعربة الكارو خاصة مناطق الشمال وشرق الزيتون والشجاعية حيث الأراضي الزراعية المجرفة والتي أهملها أصحابها". وذكر أنه في الغالب يعرض نفسه للخطر بالذهاب إلى تلك المناطق واحتمالية استهدافه من قبل جيش الاحتلال الذي يتعمد إطلاق النار على المواطنين المتواجدين في تلك المناطق.
ويؤكد حسن على أن هذه المهنة أصبحت تدر عليه دخلاً جيداً, متوقعاً أن يزيد دخله بسبب فصل الشتاء وإقبال الناس على شراء الأخشاب واستخدامها للتدفئة.
مهنة ليست جديدة
أما المواطن سمير حجي 22 عاماً فيجلس أمام محل التحطيب الذي يديره عن والده وينصب كانوناً يشعل فيه ناراً ويجهز عليها إبريقاً من الشاي الساخن ليشربه مع أصدقائه الذين جاؤوا لزيارته. ويقول:" ورثت هذه المهنة عن والدي الذي يعمل بها منذ أكثر من 25 عاماً, فهي ليست جديدة على عائلتنا, وأقوم باستقبال المزارعين وبائعي الأخشاب وغيرهم وأشتريها منهم", موضحاً أنه يقوم بتقطيعها إلى أجزاء صغيرة بمواتير وبُلط حتى يسهل بيعها بعد ذلك.
وأضاف:" إن معظم الأخشاب التي يشتريها تأتي من أناس جرفت قوات الاحتلال أراضيهم التي تقع على الحدود مع قطاع غزة", منوهاً إلى أن العمل بهذه المهنة أصبح مصدر رزق مهم لعائلته التي توقف جميع من يعمل فيها عن العمل بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحصار المفروض على القطاع.
وأوضح حجي أن أسعار الحطب انخفضت بعد الحرب مقارنة بقبلها، الأمر الذي زاد من إقبال الناس عليها خاصة في هذه الأيام, مبيناً أن سعر الكيلو من الخشب يبلغ من 1-2 شيكل حسب نوع الخشب. وأشار إلى أن الإقبال زاد في هذه الأيام على شراء الأخشاب بسبب قدوم فصل الشتاء الأمر الذي يجعل الناس يرغبون بإشعال النار للتدفئة بدلاً من الكهرباء التي تنقطع بشكل متكرر, أو للطبخ والخبز عليها بسبب أزمة الغاز وارتفاع ثمنه.