كثيراً
ما نسمع هذه الأيام عن مراهقة الرجال بعد سن الأربعين ، رغم أنها سن النضج التي من
المفترض أن توصل الرجل إلى بر الأمان ، لكن الغريب في الغالبية العظمى من المجتمعات
أن الرجال يراهقون فيشغل بالهم شبابهم في تصرفات قد تعكس مرآة الشباب في عيونهم
متغاضين عن خصلات شعرهم الأشيب ومتعللين بأنها وقار ويبررون تجاعيد الزمن على أنها
ملامح الخبرة في الحياة .
فلماذا
يتجه الرجل للمراهقة بعد الأربعين ، وهل هي ظاهرة عامة يعشيها الرجل بغض النظر عن
شكل الاجتماعي ، وهل تستدعى مراهقة الأربعين أن تعلن المرأة حالة الطوارئ لحماية
زوجها ومملكتها الزوجية .
زوجي
مراهق
منال
.ط . " 40 عاما " تقول لـ " الرسالة " أنها لم تشعر يوميا من الأيام أثناء زواجها على
مدار عشرون عاماً أن سن الأربعين لزوجها ستقلب حياتها رأس على عقب ، وتضيف بدأ
يتذمر من حديثي وطريقة طبخي ومن ملابسي ومن طلباتي حتى من شكوى الأولاد .
وتتابع
: أصبح لا يفوت مناسبة إلا ويتحدث حول شبابه الضائع وإنه طيلة العشرون عاماً الماضية أضاع عمره في
تفاصيل العمر والحياة دون أن يلتفت إلى شبابه وسعادته وأن الوقت أصبح ملائماً كي
يعيش هذا الشباب المهدور ، وفجأة بدأ يميل إلى جلسات أبناء الحي صغار السن ، وشراء
الملابس التي لا تليق به عمراً أو مكانة اجتماعية بل وضع نغمة جوالها لـ"
نانسي عجرم ".
بينما
تقول س . أ " 45 عاما " أن مرحلة ما بعد الأربعين كانت مرحلة حرجة ومتعبة جدا في زواجها خاصة عندما تفاجأت
بالتغير المفرط على طباع زوجها فبدأ يميل إلى الممارسة الجنسية المفرطة ، ومتابعة
بعض المواقع والأفلام التي لها علاقة بهذا الشأن ، إضافة إلى تغير الكثير من تصرفاته
التي كنت ألحظها أثناء خروجي معه فلم يكن يتوانى عن إطلاق المعاكسات على الفتيات
وحتى وأنا برفقته ، و مبرراً معاكساته على انه يرى خارج البيت ما لا يراه داخله ، و
انه بحاجة إلى الحب والدلال بل كثيرا ما كان يهددني بالزواج مرة أخرى ، معربةًً عن
سعادتها بإنتهاء هذه المرحلة الحرجة والمتعبة على خير وجه .
مراهق انترنت
في
حين تروى كريمة . ز" 26 عاما " تفاصيل زواجها من رجل في سن الخمسين وكيف
كان هذا الزوج مراهقاً بدرجة استوعبت فيها مشاركته حياته ، فتقول : " بدأت
أتعرض إلى معاكساته الدائمة أثناء خروجي من عملي وفى كثير من المرات تعقب طريق
عودتي وهو يفصح لي عن حبه لي ومع الوقت أصبحت معتادة واعتبرته فارس احلامى .
وتتابع
مع الوقت اكتشفت أن حاجته للزواج كانت نتاج شعور نفسي بأنه أصبح كبير السن و
الزواج إثبات للجميع بأنه مازال يتمتع بقوة الشباب وعنفوانهم ، وهذا ما جعل زواجي
يتأرجح بين ناريين نار الأقدام ونار الندم .
أما
أم سائد " 39 عاما " والتي دخل زوجها مراهقته منذ ثلاثة سنوات صاحبت
دخول الانترنت إلى كل منزل فوجد زوجي مراهقته عبر الانترنت حيث كان يجلس لساعات
طويلة قد تصل إلى الليل بكامله ، في بداية الأمر اعتقدت أنها حالة طارئة لكن مع
الوقت اكتشفت أن زوجي يقضى ساعاته الطويلة مع مراهقات عبر "التشات" ،
وقد قمت بتخزين هذه المكالمات والتي كان زوجي يصفني فيها بأني امرأة عجوز لا تعي
متطلبات حياته وانه لم يشعر بأيام الزواج بل أن زواجه بى كان قرار خاطئ يجب تصحيحه
.
في
هذا السياق تقول الأخصائية الاجتماعية سعاد العرعير من مشروع دعم وتأهيل المرأة أن
هناك عدة عوامل عدة تساهم في مرور الرجل بمرحلة المراهقة الثانية " المتأخرة " منها ما يتعلق بالرجل
ونفسيته، ومنها ما يتعلق بالزوجة شخصيتها، وتعاملها مع زوجها، واهتمامها بعش
الزوجية .
فالرجل
في سن الأربعين يريد أن يثبت لنفسه ولكل من حوله أنه مازال قوياً وجذاباً ومؤثراً،
وربما هذا ما يفسر ممارسته لتقاليع سن المراهقة المبكرة ، وفي أحيان أخرى تحدث
مراهقة الأب كرد فعل على مراهقة الابن، حين يراه مفعماً بالشباب فيوقظ شبابه.
المرأة
المجهولة
وتضيف
يصاب الرجل بما يسمى بالمراهقة الثانية عندما يشعر بأن الأحلام قد تلاشت ولعل أكثر
الأمور التي تصيب الرجل باليأس والإحباط أن يشعر بأن لا جديد يعمله وان لا أحد
بحاجة إلى رعايته.
وتتابع
قائلةً الغالبية العظمى من النساء هم من يدفعن أزواجهن إلى حالة الملل والكآبة
التي تجعلهم إلى الهروب من البيت وممارسة مراهقتهم على أشكالها المختلفة فيعتبرن
أنفسهن تعدين مرحلة الخصوبة والشباب و يتهمن الزوج بالتصابي، فيرنوها مستسلمة لبوادر الشيخوخة
فيبدأ بالبحث عن أخرى .
وتضيف
من أبرز أسباب مراهقة الرجل بعد الأربعين عدم توفر الزوجة الصديقة التي تشاركه
أحلامه وهواياته وتوفر له الأمان والاستقرار، علاوة على اقتحام الروتين والملل
للحياة الزوجية خاصة بعد الانتهاء من مشاكل تربية الأولاد وخروجهم من منزل الأسرة
سواء بالزواج أو للعمل في الخارج فتصاب بعض الزوجات بالاكتئاب ، إضافة إلى الأسباب
المجتمعية التي يتميز بها المجتمع العربي على وجه الخصوص فقد درج على أن سن الأربعين عند المرأة يأس وبداية النهاية المريرة، وسن الأربعين عند
الرجل سن النضوج .
أما
أهم الإعراض التي تميز مرحلة المراهقة المتأخرة فهي وبحسب تقرير معلوماتي حول
الظاهرة : كثرة التذمر وإكثار الرجل في الحديث عن مدى الملل الذي يشعر به، و
بعضهم يجد في الزواج مرة أخرى الحل في حين يتخبط البعض في
اتخاذ القرارات المهمة أما أكثر أعراض المراهقة المتأخرة وضوحاً إجراء تغييرات
جذرية على المظهر الخارجي والبدء بقضاء وقت طويل أمام المرآة والاعتناء بالزينة
والهندام بشكل ملفت ، ويتصرفون تصرفات المراهقون كمحاولتهم لفت أنظار الجنس
الآخر، بارتداء ألوان وملابس ملفتة للانتباه إضافة إلى ميلهم إلى الإسراف في
التدخين والسهر وممارسة الجنس .
أزمة
منتصف العمر
فيما
تؤكد الدراسات أن 25% من الرجال يعانون من أزمة المراهقة المتأخرة أو كما يطلق عليها " أزمة منتصف العمر
" خاصة إذا تزامنت مع وجود خلل في العلاقة الزوجية وعدم الاعتياد على التعامل
مع الضغوطات وتجاوز العقبات إضافة إلى عدم التوافق الثقافي والاجتماعي والفكري مع
الزوجة و استمرار الزواج لسنوات دون وجود لغة حوار بين الزوجين أو اهتمامات مشتركة
فيشعر الرجل بالرغبة في أن يعيش حياته من جديد وقد يساعده على ذلك استقراره المادي
فيبدأ بالبحث عن فتاة صغيرة متوهماً الحب.
الجدير
بالذكر أن القرآن الكريم أشار إلى مرحلة منتصف العمر بقوله تعالى: "حَتَّى
إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ
أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ
إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" ، و اعتبر العلماء أن الآية تشير إلى
أن هذه المرحلة من عمر الإنسان تحكم على ما تبقى من حياته فإذا لم يستقم في هذا
العمر فصلاحه في ما تبقى من عمره احتمال ضعيف.